الدكتور فهد الحويماني
نسمع كثيراً من المحللين عن منحنى عائد الاستحقاق، وإنه في أي وقت من الأوقات يكون شكل هذا المنحنى إما صاعداً أو هابطاً أو مفلطحاً، فماذا يقصد المحللون بهذه التعابير؟ وهل لهذه الملاحظات فائدة في عالم الاستثمار؟
منحنى عائد الاستحقاق بكل بساطة هو شكل بياني لمعدلات الفائدة على أدوات دين مختلفة، لفترات استحقاق تبدأ من شهر واحد إلى 30 أو 40 عاماً.
إن الشكل الطبيعي للمنحنى هو أن تكون معدلات الفائدة على المدى القصير أقل من معدلات الفائدة على المدى الطويل. وذلك لأن من يرضى بإيداع ماله لفترة طويلة، فهو بلا شك يتوقع أن يمنح عائداً مرتفعاً مقابل المخاطرة بالقبول بمعدل فائدة ثابت طوال هذه الفترة.
الشكل الطبيعي للمنحنى هو أن يكون صاعداً، أي أن العائد على أدوات الدين قصيرة الأجل (كشهادات الإيداع وأذونات الخزينة) أقل من ذلك المتحقق عن طريق أدوات الدين طويلة الأجل (كالسندات الطويلة). ويدل ذلك على أن الاقتصاد يمر بمرحلة نمو طبيعية ولا يوجد هناك تخوف من تضخم غير عادي في الأسعار أو معدلات البطالة وغيرها.
أما إذا أتى المنحنى بشكل صاعد حاد، فإن ذلك يؤخذ غالباً على أن الاقتصاد مقبل على حركة ازدهار ونمو مما قد يضطر البنك المركزي إلى رفع معدل الفائدة، وبالتالي تكون السندات طويلة الأجل غير جذابة.
أما إذا كان شكل المنحنى هابطاً (ويسمى Inverted)، أي أن العائد على أدوات الدين قصيرة الأجل أعلى من العائد على أدوات الدين طويلة الأجل، وهو أقل حدوثاً من أشكال المنحنيات الأخرى. فيدل ذلك على أن التوقعات تشير إلى احتمال لجوء البنك المركزي إلى خفض معدلات الفائدة في الفترات القادمة، بسبب تخوفه من حدوث تراجع أو انحسار في الاقتصاد.
أخيراً هناك أوقات يكون فيها المنحنى شبه مستقيم (أو مفلطح)، مما يعني أن معدلات الفائدة متشابهة ولا يبدو هناك توجه واضح لحالة الاقتصاد. ولا تستمر هذه الحالة طويلاً حيث سرعان ما تظهر مؤشرات تبين التوجه العام للاقتصاد والوجهة التي ستسلكها معدلات الفائدة.
العلاقة دائماً عكسية بين سعر السند ومعدل الفائدة. عندما يرتفع معدل الفائدة، تنخفض أسعار السندات، والعكس صحيح.
توجد أسعار السندات في أماكن كثيرة منها الصحف المتخصصة الأمريكية، كصحيفة Wall Street Journal وصحيفة Barron's. يبين المثال التالي كيفية قراءة سعر سند خاص بشركة جنرال موتورز (GM):
سندات جنرال موتورز مستحقة في يوليو 2030م
GM 8.5 30
السعر الحالي للسند 95.5 دولار، ودائماً تعرض الأسعار كنسبة من السعر الأصلي (في هذه الحالة 95.5% × 1000 دولار = 955 دولار). وبالنسبة للسندات الحكومية فإن أسعارها تعرض على الشكل التالي: 100-04؛ وتعني 100 دولاراً و 4/32 من الدولار (أي 100 دولاراً وربع الدولار).
بما أن الفائدة المستحقة 85 دولار سنوياً وسعر السند 955 دولار، فإن العائد الجاري (Current Yield) يساوي 8.9%.
كما علمنا أن العائد لأي وسيلة استثمارية يعتمد على مدى المخاطرة التي ممكن للشخص أن يتحملها. فهناك سندات يمكن أن تمنح عائداً سنوياً يتعدى 15%، ولكن بخطورة عالية.
أمامي الآن (في نوفمبر 2000م) سندات لشركة معينة مستحقة في يونيو 2010م بفائدة سنوية (الفائدة الاسمية للسند) بمقدار 12%. ليس ذلك فحسب بل وبسعر حالي يساوي 500 دولاراً (بدلاً من 1000 دولار وقت الإصدار). والعائد على هذه السندات أكثر من 24%!
هذا يعني أن بالإمكان اليوم دفع 500 دولاراً فقط والحصول سنوياً على 120 دولاراً لمدة حوالي 10 سنوات، ومن ثم الحصول على 1000 دولار في نهاية المدة! ولكن المخاطرة هنا تأتي بسبب التقييم الضعيف الممنوح لهذه السندات (CCC).
ذكرنا أن من الضروري تخصيص نسبة من رأس المال للسندات حسب عمر الشخص، ولكن قد لا يكون من السهل تداول السندات أو حتى فهم طبيعة عملها، لذا فقد يكون أحد الخيارات الجيدة أمام الشخص أن يستثمر في صندوق سندات، تماماً كما يستثمر في صندوق الأسهم.
الهدف من ذلك تقليص المخاطرة في السندات وتحقيق فائدة أخرى هامة وهي أن أكثر صناديق السندات تمنح فائدة شهرية، بدلاً من نصف سنوية أو سنوية كما في معظم السندات.
ويجب الانتباه إلى أن هناك سندات قد تمنح عائداً مغرياً، وذلك بسبب ارتفاع نسبة المخاطرة فيها، لذا قد لا تكون بالضرورة أفضل من غيرها. وتسمى السندات ذات التقييم الضعيف (أقل من BBB) بسندات عالية المخاطرة (Junk Bonds)، لذا فهي تمنح معدل فائدة مرتفعاً مقابل المخاطرة العالية.
هناك اتفاق شبه تام في وجهات النظر الشرعية حول مسألة السندات التقليدية لأنها عبارة عن إقراض مال مقابل فائدة مالية معلومة المبلغ والأجل. فهي بذلك ربا مؤكد.
لذا فقد ظهرت في السنوات القليلة الماضية وسائل مالية شبيهة بالسندات تعمل بصورة شرعية مقبولة (ولو إن هناك من يعارض بعضاً من صورها)، وهي تتم بطرق التورق أو الإجارة أو المرابحة أو الاستصناع وغيرها.
الفكرة في جميع هذه الطرق أن يتم تلافي الوقوع في الربا بتحويل عملية الإقراض النقدي إلى المتاجرة بسلعة معينة. فيتم التمويل النقدي دون وقوع الربا.
على سبيل المثال، في أحد صور التورق الإسلامي، يقوم بيت التمويل (كالبنك مثلاً) بالاحتفاظ بكميات كبيرة من سلعة دارجة ومعروفة في مخازن لديه، ويقوم ببيع السلعة على العميل بثمن معين يدرسه العميل ويوافق عليه. بعد ذلك يقوم العميل بتوقيع اتفاقية لسداد قيمة السلعة بشكل آجل أو كأقساط شهرية، ويقوم هو بدوره ببيع السلعة بسعر السوق ويحصل على المبلغ النقدي المطلوب.