المال والاستثمار في الأسواق المالية

الدكتور فهد الحويماني

الفصل الثامن: الجدوى من تحليل الأسهم

بقلم: الدكتور فهد الحويماني

فرضية كفاءة السوق

فرضية مثيرة للجدل

يعتقد معظم الأكاديميين بأن الأسواق المالية بشكل عام أسواق ذات كفاءة (أو فاعلية) عالية مما يجعلها في حالة توازن دائم، وإن اتجاه الأسعار يتبع مساراً عشوائياً في هذه الأسواق.

لذا فعند النظر إلى سعر سهم معين في أي لحظة من اللحظات فإن ما نشاهده هو السعر الذي اتفق عليه جموع البائعين والمشترين ولا يمكن لهذا السعر أن يكون مختلفاً عما هو عليه حالياً!

هذا الافتراض يقوم على أساس أن هناك آلاف المحللين والمتابعين لكل شركة من الشركات التي تباع أسهمها في السوق وتشترى، وإن هؤلاء الأشخاص لهم مصالح كبيرة وتدفع لهم مبالغ طائلة لمتابعة تطور وأداء كل شركة تقع تحت اختصاصهم.

النتيجة المترتبة على الفرضية

لذا فمن غير الممكن للقيمة الحقيقية لأي شركة أن تكون مختلفة عما يعكسه سعر السهم الخاص بها في أي لحظة من اللحظات. فلو فرضنا أن القيمة "الحقيقية" للسهم أعلى مما هي عليه الآن، فذلك يعني أن غيرنا من محللين ومتابعين قد اكتشف الشيء ذاته، وبحكم أن لدينا نفس المعلومات المفترض أن يقوم هؤلاء المحللون والمتابعون على الفور بشراء السهم، مما سيرفع سعره إلى أن يصل إلى السعر "الحقيقي".

معنى ذلك أن سعر السوق هو السعر "الحقيقي"!

أشكال كفاءة السوق

الشكل القوي

السعر الحالي يعكس جميع المعلومات العامة والخاصة، المعروفة وغير المعروفة. أي أن السعر الحالي هو أفضل سعر ولا يمكن تحقيق ربح غير عادي بأي حال من الأحوال.

الشكل شبه القوي

السعر الحالي يعكس جميع المعلومات العامة والمتاحة للناس، مثل البيانات التاريخية للأسعار والبيانات المالية للشركة. أي أنه لا فائدة من القيام بالتحليل الأساسي ولا الفني.

الشكل الضعيف

السعر الحالي يعكس جميع البيانات التاريخية للأسعار. فلا فائدة من القيام بالتحليل الفني.

ملاحظة مهمة

هذه الفرضية بجميع أشكالها لا زالت تثير الكثير من الجدل، وبالذات من قبل المحترفين من وسطاء ومحللين ممن يقوم صلب عملهم على تقديم النصح والإرشاد والتنبؤ باتخاذ الأسهم اتجاها معيناً في فترة معينة.

المستثمرون الناجحون

بالرغم من ذلك، فهناك أمثلة استثنائية لمستثمرين ناجحين ممن حققوا ثروة كبيرة عن طريق سوق الأسهم، واستطاعوا أن "يتغلبوا" على السوق لسنوات طويلة، ويكذبوا بذلك فرضية كفاءة السوق.

وارين بفيت (Warren Buffett)

أشهر هؤلاء على الإطلاق هو وارين بفيت والذي بدأ الاستثمار بمبلغ 10,000 دولار فقط في عام 1956م وتصاعد هذا المبلغ بواسطة المتاجرة بالأسهم إلى أن تجاوز رأس ماله العشرة بلايين دولار في التسعينات الميلادية.

وقصته معروفة في الأوساط الاستثمارية ويعتبر من أنجح المحللين الأساسيين على الإطلاق.

بيتر لينش (Peter Lynch)

الأسطوري بيتر لينش الذي كان يدير صندوق ماجيلان للأسهم من عام 1977 إلى 1990 والذي استطاع أن يحقق عائداً تجاوز 29% سنوياً!

رد مناصري الفرضية

إلا أن مناصري هذه الفرضية يردون بقولهم إن مثل هذه الحالات شاذة الأمر الذي يحدث في كل طريقة عشوائية، حيث توجد هناك قيم شاذة عن المألوف، وبالتالي أداء هؤلاء الأشخاص هو مجرد حالة عشوائية شاذة.

وهذا بالطبع لا يفسر سر تكرار هؤلاء الأشخاص لأدائهم غير العادي، مما جعل كثير من مناصري الفرضية يعترفون بإمكانية تحقيق عوائد غير عادية ولكنهم يؤكدون أنها تبقى حالات شاذة.

الجدوى من انتقاء الأسهم

من المعروف أن المحللين في شركة Standard & Poor's هم من أبرز محللي الأسهم في العالم نظراً للخبرة الكبيرة المتوفرة لدى الشركة في هذا المجال، واعتماد الكثير من المحللين في العالم على تقارير S&P وما تقدمه من قواعد بيانات مالية.

لذا فقد يكون من المستحسن النظر إلى طريقة هؤلاء المحللين في انتقاء الأسهم ومن ثم تقييم نتائجهم على مدى السنوات الماضية.

خطوات محلل S&P
  1. دراسة التقارير الرئيسية للشركة مثل نموذج 10-K (النتائج المالية السنوية المدققة) ونموذج 10-Q (النتائج المالية الفصلية المدققة)
  2. مناقشة إدارة الشركة من خلال الهاتف أو الالتقاء بهم شخصياً
  3. إجراء تقديرات أولية للأرباح بناءً على الماضي والتوقعات المستقبلية
  4. تقييم كفاءة إدارة الشركة وبيئة المنافسة
  5. تقدير القيمة الحقيقية للشركة بتحليل قيمتها الجوهرية والنسبية
  6. تحديد السعر المستهدف لـ 12 شهراً القادمة
نتائج الدراسة

وبهذا الأسلوب قامت شركة S&P بدراسة تحليلية على مدى 10 أعوام لمعرفة جودة انتقاء الشركات التي يقوم بها هؤلاء المحللون. وتبين أن أداء الشركات التي تم تصنيفها على أنها عالية الجودة (A) كان أفضل من الشركات متوسطة الجودة (B) وأفضل من ضعيفة الجودة (C).

وقد تبين أن أداء مؤشر S&P 500 خلال هذه الفترة يساوي 15.8% كعائد تراكمي سنوي، بينما فئة (A) من الشركات حققت 17.8%، وفئة (B) حققت 15.1%، وفئة (C) حققت 11.8% كعوائد تراكمية سنوية.

الخلاصة

النقاط الرئيسية
  • ضرورة بذل الجهد: عند انتقاء الأسهم وضرورة معرفة القواعد التي تسير عليها حركة الأسهم ونمو أداء الشركات.
  • تصنيف الشركات: الطريقة المتبعة من قبل Mergent و S&P، وذكرنا أنه من الصعب جداً على المستثمر العادي أن يتابع بجدارة عدة شركات في قطاعات مختلفة.
  • التخصص: قد يكون من الأنسب التخصص في قطاع أو قطاعين والتركيز على عدد قليل من الصناعات داخل كل قطاع.
  • طرق التحليل: تم تعريف الطريقتين الرئيسيتين لتحليل الأسهم وذكر أن التحليل الأساسي يعتمد على معرفة عمل الشركة ودراسة بياناتها المالية، بينما يعتمد التحليل الفني على دراسة حركة الأسعار وكمية التداول.
  • فرضية كفاءة السوق: التي تؤكد في أحد أشكالها على عدم وجود أي طريقة يستطيع الشخص من خلالها تحقيق عائد يتجاوز العائد العام للسوق.
الخلاصة النهائية

إن الاطلاع على هذه الفرضية وغيرها من المفاهيم، بما في ذلك طبيعة عمل السوق والشركات وأنواعها، والتحليل الأساسي والفني وخبرات من سبق في هذا المجال وقصص النجاح والفشل المختلفة، من شأنه أن يعطي المستثمر بعداً استراتيجياً ونظرة ثاقبة للاستثمار لا تتوفر لغيره من المشاركين في السوق.

ونحن نعرف المقولة الشعرية العربية التي تؤكد على أن "ليس أخو علمٍ كمن هو جاهل"!